بسم الله الرحمن الرحيم
القدس تنادي .....القدس تناجي..... هيهات هيهات من عدوغدار جبار
اغتيال الفرحة من وجوه الأطفال .. فقدان الحنان والأمان بوجه الأجيال ..
ونسيان الضحكة .. والبسمة .. في زمن الاغتيال ..
فلسطين ..
أرواح وهبت نفسها لموت واستشهاد ..وخلقت الموت راية كبرى لتحرير البلاد ..
وأصبحت رمز البطولة والجهاد ..وداست على أفراحها بأيام الأعياد ..
واليوم قالت .. لا للعيش يا صهيوني دون جهاد ..
.أن كان قدري أن انتهي ..قد رضيت بحكمك يا رب العباد ..
تنادى الناس لرد الكفر عما يعيثه من فساد في أرض فلسطين غير أنهم هرعوا إلى غير مهرعهم . وآووا إلى ركن غير شديد . سوء في التقدير وقلة في الحيلة دفعت جموع المسلمين إلى القفز عن جدار الحقيقة . والجأتهم إلى التفكير في خطط القاصرين والتصدي للمخرز بالعيون . بعد أن ثارت قلوبهم بكل ثائرة وتقطعت أفئدتهم جراء ما شاهدوه من أذى وقع على إخوانهم لم يتحملوه . فغابت عن أذهانهم قائمة المقام وشدة الموقف . فلجأوا إلى علاج داء يأكل الأحشاء بمسحة إسترحام ظنا منهم أنهم بذلك يقضون عليه . لكن هيهات هيهات . قد جعل الله في الكون سننا ما ينبغي أن تنسى ونواميس لا محيد عن مراعاتها
لقد قال قائل الأمة من شدة القهر وقوة السطوة ولما رآى ما تميد من هوله الأرض ميدا قويا وتهتز له أفئدة من حملوا من الإيمان ولو شيئا يسيرا قال : يا حكام الأمة لا نريدكم ، افتحوا لنا الحدود وفكوا أسرنا . نريدها شهادة في أرض الإسراء والمعراج . لا نريد منكم مالا ولا سلاحا ولا شكورا ولا جزاء . كفانا الله شركم وأبعدنا عن كيدكم دعونا نتسابق إلى فلسطين رجالا ونساء ونهب إلى نجدة إخواننا لنبرء الذمة ونلقى الله مؤدين ما أوجب علينا من جهاد في سبيله سبحانه.
مقولة نسمعها صباح مساء مساء صباح في وسائل ما يسمى بالإعلام . فهلا أمعنا فيها النظر وأنعمنا الفكر لنرى جدواها .
نحن نعلم أن الدعاة إلى هذه الفكرة قصدوا إلى الخير وأرادوا برا بأمتهم . ولكننا نقول ما هكذا تورد يا سعد الإبل . إن الله سبحانه وتعالى أمرنا عند مواجهة العدو بالإعداد قدر مانستطيع فقال (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل )) وعلل أمره هذا بإحداث الإرهاب في نفوس الكافرين والمنافقين فقال (( ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم )) ونسأل الأمة في هذا المقام ! لم الهرب من الواقع الذي نعيشه ؟ ولماذا تبحث عن الحل في غير موضعه . ونتسائل ولنا الحق في مثل هذا التساؤل . كيف ستواجهون أسلحة اليهود وعتادهم . وكيف تصنعون في أرض المعركة حين تأتي طائراتهم من السماء ودباباتهم على الأرض يبغون إلى قتلكم . وما هو المطلوب منكم أصلا . أهو الذهاب إلى بيت المقدس طلبا للموت والشهادة فقط . أم المطلوب أن يحرر المسجد الأقصى وأن ينصر من فيه ومن حوله من تسلط الأعداء ؟ وهل سيختلف وضعكم عند وقوفكم على الحدود لا تملكون سلاحا إلا اليسير القليل عن وضع إخوانك في فلسطين الآن ؟ وهل القضية ثورة حماس ما تلبث أن تنقضي ورغبة في التغيير ما تنفك أن تفتر أم المسألة أن تعمل مباضع المسلمين في جسد بني صهيون وكيانهم حتى تقضى عليه قضاء مبرما . إن جماهير الأمة في بيت المقدس تنتظر تحركا سريعا . ترجو نجدة تعيد الحق إلى نصابه وترفع الظلم عنهم على وجه السرعة . مثل الأمة في هذا كمثل رجل اتخذ مركبا حصينا وقلعة مكينة ولما جاءه عدوه للقائه خرج إليه بحربة لا تقي صاحبها فضلا عن أن تؤذي عدوها
أيها الناس :
لو قلبتم صفحات التاريخ تقليب المتفكر واتعظتم كما أمر الله حين قص قصص السابقين فقال (( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)) لما وقع فكركم على مثل هذا الرأي تجاه مصاب الأمة العظيم في أرض فلسطين .
وانتم تعلمون أن الأقصى اسر من قبل يوم جاء الكفر من الغرب بقضه وقضيضه وجيوشه وسلاحه فأخذه لقمة سائغة، وكأن الدهر يعيد نفسه ويكرر أحداثه . وتعلمون أنه يوم قصد المسلمون إلى تحريره وتطهيره من رجس الصليبيين لم يتوسلوا إلى ذلك بقتال فردي وعمل جزئي . بل أعدوا للأمر عدته . وحدوا أمرهم وجيشوا جيشهم وزحفوا على العدو يبغون استئصال شأفته ومحو أثره فكلل عملهم بالنجاح ونصروا من الله نصرا مبينا . وتعلمون كذلك أنه لما دارت الدائرة على المسلمين يوم جاء المغول في أعداد لا تحصى وسلاح لا يعد . فنالوا من الأمة كل سوء يذكر وأذى يعرف لم يفزع الناس إلى قتالهم فزعة فردية ولم ينهضوا للتصدي لهم تصديا عرضيا . بل اجتمعوا إجتماع الجيش الجرار وأحصوا سلاحهم وعتادهم حتى ما أبقوا في ديارهم منه شيئا يذكر وخرجوا لمقابلة العدو وقد أخذوا بالأسباب وعولوا على نصر الله سبحانه وتعالى بعد أن هيئوا للجد جدا وأمضوا للسيف حدا فقاتلوا قتال الموقن بالنصر المؤمن بغلبة الحق . فكان النصر لهم حليفا والفلاح رفيقا حتى طردوا المعتدى وأعادوا الحق والعدل ميزانا بين الناس .
يعلم الله أنا لا نريد من هذا الكلام إضعاف الهمة ولا تقليل حماس الأمة ولكن نطلب الصلاح بالصلاح ونرغب في تجنيب المسلمين مسالك الردى وموارد الهلاك . حتى لا تؤمل الأمة فيما لا يوصلها إلى مبتغاها فيغلبها اليأس وتنتكس بعد صحوة طالما انتظرها المخلصون من أبناء هذه الأمة .
إن الناصح الأمين يواجه بالحق والصواب ويربأ بنفسه عن إسكار الأمة بخمرة معتقة حتى تنقاد له دون أن تفكر في مصيرها وتهتدي في طريقها . بل يعمد إلى إرشادها والبيان ولو استدعى ذلك صدمة تجعلها تفيق من أوهام يرسمها لها من لا يدرك خطورة التلاعب بأحلام الأمة وآمالها.
إن مطلب بعض أبناء الأمة بفتح الحدود ليقاتلوا اليهود قتالا فرديا يدل على معدن أصيل فيهم وطيب أرومة منهم ولهم منا شكر المعترف بصدق نياتهم وحسن رغباتهم ولكنهم للأسف لم يبلغوا الغاية في طلبهم ولا اهتدوا إلى أرشد الأمر . بل تعلقوا بأمر ما فيه لعاقل يدرك حقائق الوضع من متعلق .
وآخرون من أبناء الأمة توسلوا إلى إنقاذ أهل فلسطين ومساعدتهم بجمع ما اسموه بالتبرعات . ومنهم الصادق الذي دفعه إلى ذلك حب المعونة والرغبة المخلصة في مد اليد إلى صاحب الحاجة وفيهم من أضمر للأمة سوءا وقصد إلى تنفيس العواطف والتلبيس على المسلمين ، وعلى رأس هؤلاء حكام المسلمين الذين سمحوا لأجهزة إعلامهم أن توقف برامج الرقص والغناء وأفلام الفجور ومسلسلات الفساد الأخلاقي ليعطوا فرصة لدعوات التبرع بالمال نصرة لأهل فلسطين. وطبعا تبارى أهل النفاق بالإشادة بمليك البلاد وأسرته أو برئيس الجمهورية وزمرته الذين طلبوا من الناس التبرع إنقاذا لمساكين فلسطين .
فإن قلوبهم ما عادت تحتمل ما تراه يحصل في مسرى الرسول عليه الصلاة والسلام وعيونهم لا ترقأ بنوم من شدة غيرتهم على أعراض المسلمين المنتهكة . فإذا بهم يتوجهون إلى فقراء الأمة ومساكينها الذين لا يجدون سدادا لخلة أو تحصيلا لادنى ما يحتاجه الإنسان من مسكن ومأكل وملبس . يطالبونهم من خلال حملات التبرع بدفع المال بغية نصرة فلسطين
يالله ما أوقحهم وما أكثر خستهم . لو خرج واحد منهم من مال الأمة الذي اغتصبه بغير وجه حق لاجتمع في لحظة واحدة من المال ما يربو على ما تتبرع به الناس خلال أعوام . ولكنهم قاتلهم الله علموا أن الأمة تغلى الدماء في عروقها وأنها أنكرت منهم موقفهم الذليل وعملهم المشين في السكوت على مجازر يهود وتواطؤ أمريكا . وخافوا من تحرك الأمة ضدهم فلجأوا إلى مثل هذه الحملات إيهاما للناس بأنهم يقدمون ما في وسعهم .
وخرج من علماء الأمة من خرج على شاشات الفضائيات . حسبناهم يقفون إلى جانب الأمة وينحازون إلى جهتها . فإذا بهم بدل أن يعلنوا الجهاد في سبيل الله وينادوا الجيوش يا خيل الله اركبي إذا بهم بدل ذلك يكيلون المدائح للحاكم الفلاني يدعون أنه ما قصر في حق القضية والرئيس الفلاني أنه ما بلغ مبلغه أحد في المنافحة عن القضايا الوطنية .
يا الله كأنما يحدثون عن غائب أو يصفون مجهولا ورحم الله الحسين يوم قال (( الله الله قد فضح الصبح عتمة الدجى )) .
ومن كلام الحق الذي يراد به الباطل أن يقال إن الله أمر بالجهاد بالمال والنفس وأن الجهاد بالمال نوع من أنواع الجهاد .
مقال لدكتور : أحمد مطر